الصحراوي

الصحراوي : الجزء 5 مكتوبي

 كان "مكتوب" هو سبب تعارفنا داخل قصبة أيت القايد بتامنوكالت،


مكتوب الكلب الأبيض الجميل، جرى إلي بتودد محركا ذنبه حينما نزلت للتجول مساء، بعدما خففت شمس يوليوز من قسوتها، فسحت المجال  البارحة داخل قصبة تامنوكالت، لوحدي عائدة من جولة قصيرة على ضفة وادي درعة، قبيل الغروب. علاقتي بالكلاب، على عكسها مع القطط، ملتبسة ومشوبة بكثير من الحذر والخوف القبلي، حتى ولو أن الكلب"مكتوب" كانت تظهر عليه كل مظاهر الألفة والعناية والانتماء لصاحب يهتم به، فروه الأبيض الناعم النظيف والبراق، ممشوط ومقصوص بعناية، ولعل أهم دليل على ألفته هو الرباط الجلدي حول عنقه، ماجعلني أهدأ وأمد يدا مرتعشة نحو فروته، هي نفس اللحظة التي خرجت فيها سيدة صحراوية من نفس المنزل الذي خرج منه مكتوب، نظرت إلي وابتسمت ابتسامة تشبه هذه الصباحات في واحة درعة، لأسمع بعد ذلك صوت رجل  شاب يطل من أعلى المنزل :" Madame c'est mon chien, il s'appelle Maktoub et il vient des Cévennes"

اطمأننت فعلا هذه المرة، وأيقنت أن هذا الكلب الأبيض الذي يعيش في كنف هذا الشاب الصحراوي، قد شبع ضحكا في خاطره على حالتي، وعلى صاحبه أيضا الذي اعتقد أنني سائحة أجنبية، علما أن للأجانب، علاقة ود وحب وشفقة غريزية اتجاه الكلاب خاصة، وحتى المتشردة منها، ضحك مكتوب كثيرا، من مكتوبي كطفلة كبرت تخاف أجمل وألطف وأوفى حيوان، ولأنه لايعرف السبب وراء هذا، فقد وقف على قدميه وعانقني محاولا تقبيلي، لينقذني صاحبه منه ويدعوني لشرب كأس شاي ثم زيارة نزله السياحي و"بازاره" الذين حولهما من خراب تام إلى معمار جميل وساحر. 

مكتوب الكلب، صار رمزا للمكتوب عليّ في عشق الصحراوي  

مكتوبي  الكلب ،

هكذا إذن صار الحب بيننا، كالكلب الفرنسي

مكتوب، أبيضا في بدايته، خاليا من الأحكام ، مبشرا بالوفاء، مغتربا وسط الأهالي، مغرقا

في محليته غريبا في قناعاته وممارساته وحريته.

لم أعرف من كان فينا كلبا للآخر، الصحراوي،

عموما، كان كلبا لسنوات حرمانه من وجود جسد امرأة يدفيء شتاءات وحدته ويرطب قيظ عطله

الصيفية الطويلة القاحلة بصحراء الجنوب الشرقي ونواحيها.

وكنت كلبة للاحتياج نفسه، لإحساس الاستقرار

في علاقة حرة لايقيدها عقد باسم الدين أو أعراف المجتمع، كنت كلبة غرائزي التي تنبهت

لوجوده الطافح ولحضوره الفاحش وسط تفاهة العالقين في معتقدات خرافية يمارسون باسمها

نزواتهم سرًا معلنين الورع جهرا مزايدين به على أمثالنا من المتحررين أزمانا قبلهم

من ربقة الدين وأغلال المجتمع الغارق في التناقض.

الكلب مكتوب، كان حاملا لكل هذه الوعود،

عندما تمسح بي  ذاك المساء وجرى نحوي، اعتراني

خوفي المعتاد من الكلاب غير أنه في هذه المرة كان خوفا مشحونا برغبة جامحة في عناق

واحتضان كلب قادم من " فانسين" بفرنسا، كلب السيدة " نيكول" عشيقة

الصحراوي السابقة، تركت له الكلب وأشياءها الصغيرة مرفوقة بشيء كبير ورائع : حقل النخيل

شرق الواحة، حيث يقتات الصحراوي من بيع تموره ويطعم أسرته وكل الذين تحت جناحيه من

زوجة وأطفال وأب وزوجة أب وجدّ وجدة مسنين وبعض أطفال وزوجات الإخوة الذين ذهب نصفهم

للاشتغال بحرف البناء لدى أغنياء الرباط والبيضاء أو بإسبانيا وفرنسا.

إرسال تعليق

إرسال تعليق