لاجئة

مع جدّتي بمسجد الأمّة

 



وقفت أمام مسجد الأمة، قبل قليل، مسجد بني قبل ازديادي بثلاث سنوات، أي في 1967، هناك، كانت تصطحبني جدتي، لأداء صلاة الجمعة، كلّ جمعة،تقريبا، بعدما تكون قد استفاقت باكرا، فتلت بيديها المعروقتين كسكس الجمعة، وتركت أمي تطبخ باقي الوجبة وباقي أشغال البيت ورعاية إخوتي، بينما، كنت المحظوظة المخصوصة بعنايتها ورفقتها،  من حظوة النوم في غرفتها وعلى سريرها إلى مرافقتها لصلاة الجمعة بمسجد الأمة.

تأخذ جدتي دوشا ساخنا، تنادي على أمي لتفرك ظهرها بالخرقة والصابون، ترتدي قفطانا أبيضا فوقه دفينة مشبكة، تضع على رأسها شالا حريريا أخضرا أو أبيضا، حسب المزاج، تخرجه مضخما من دولابها برائحة الكافور وعطر "ريف دور"، تلبس جلبابها الأبيض الخفيف، تنتعل شربيلا، في كل مرة بلون وزخارف مختلفة وجميلة، تأمرني بصرامة الجدات رئيسات القبائل، بأن أتوضأ وأغير ملابسي لأداء صلاة الجمعة صحبتها، وأنه علينا الإسراع قبل امتلاء فضاء النساء الصغير والمزدحم أعلى الفضاء الفسيح والشاسع المخصص للرجال،.

كان الأمر يبدو لي سورياليا في الدين الإسلامي وهندسة مساجد الحيّ، منذ ذلك العهد، النساء لهن الضيق والوراء وخلف الستار، بلا مروحيات أو ثريات معلقة ولاالزرابي الحمراء الناعمة المبثوثة تحت أقدام الرجال، بل لهن الحصير الخشن القاسي وعليهن تدبر أمورهن بإحضار السجادات الصغيرة.

وبالمسجد، كانت جدتي تلتقي بصديقتها العبدية، تلك المرأة الطويلة التي تسكن بجانب مسجد الأمة، تدردشن أكثر مما تنصتن للقرآن يتلى في الأسفل من طرف الرجال، أو الإقامة والآذان، ولاحتى خطبة الجمعة، قد تصر بعد نهاية الصلاة والسلام والقبل والعناق بين المصليات، أن تصحبها لبيتها لتناول الكسكس...

اليوم، وبعد أسبوع قضيته هنا، بالحي الشعبي، حيث تتكوم ذكرياتي، كما تتكوم جواهر علاها الغبار داخل علبة صغيرة من قصدير صديء، أحس بحزن كبير وغريب، لأن كل شيء تغير، هو تغير غريب، ماتت فيه تلك الروح التي كانت تدفعني كرياح الخريف كلما خرجت أجري بين أزقة هذا الحي الشعبي البسيط والمكتظ، حي البيتات حيث المسجد لايؤمه الشباب والنساء، بكثرة مبالغ فيها، مثل اليوم.

ربما هي عين الطفولة المتخمة بالخيال، نظرة طفلة خجولة ونحيلة كفرخة سنونو، أحبت أشجار الكاليبتوس وأدعية جدتها غير المفهومة وقراءتها للقرآن بكلمات لاتعني لها شيئا مما بدأت تتعلمه وتحفظه بالمدرسة. طفلة لم تعن لها بيوت الإسمنت البعيدة الواطئة والآخذة في التعالي، شيئا، والبعيدة كل البعد عن شيء اسمه الجمال...

الرباط ،19 غشت 2016

إرسال تعليق

إرسال تعليق