لاجئة

حلم وحياة شعب في ضياع دائم

 






"كلما كانت ذاكرة الشعب قصيرة، فإن يد الجلاد، تصير أ3 3 "

محمد خير الدين

مرت ستّ ، لحد الآن، على انفجار قضية طبيب الأطفال الدكتور المهدي الشافعي، بتزنيت، الطبيب الجراح المختص في طب الأطفال، ضحية لوبيات القطاع الخاص، التي جنّ جنونها بسبب تفانيه في عمله بمستشفى عمومي  وإجرائه لعمليات جراحية  ماراثونية لأطفال الفقراء والمهمشين الذين لايقدرون على مصاريف عيادات الأطباء-الجزارين..بإقليم يعاني التهميش الطبي كأغلب أقاليم المملكة..

مالذي أعاد لي ذكرى  محنة الدكتور الشافعي ؟؟

إنه المباشر الذي قمت به يوم السبت الماضي، لصالح شابة مغربية، تدعى أمينة اليماني،  من مدينة الحاجب، تعاني وتحترق منذ سنوات، بسبب مرض اعوجاج عمودها الفقري وفقدانها القدرة على الجلوس والمشي..

أمينة تعاني وكأنها ليست مغربية، كأن الدولة المغربية غير مسؤولة عنها وعن علاجها، هي التي طرقت كل الأبواب وصرخت وتصرخ بصوتها الضعيف الموجوع ودموعها الحارة أمام الجميع، تطل من صفحتها الفايسبوكية  كما أطلت من صفحتي الشخصية، عبرالمباشر..

مرت ستّ ونحن نحتفي بمن سطع نجمه وننسى من تقوس ظهره وشابت روحه من الخذلان والتواطؤ وغياب العدالة، ستّ سنوات كفيلة بمحو كل المآسي التي تبني تاريخنا القديم والمعاصر..

فهل هو نسيان تلقائي يوجهه قوة  الزمن القاهرة والدافعة إلى الأمام أم هو تناسي مقصود ونكوص تاريخي، لشعب مقهور بحركة تاريخه الأليم، والتي عوض أن تظل حركة تقدم تتحول لفعل تأخر وتخلف ورجعية؟؟؟

استحضرت، حكاية هذا الطبيب الريفي الشاب، الذي عالج أطفال فقراء تزنيت بالمستشفى العمومي، لم ينشغل بفتح عيادته الخاصة بعد التخرج، كما فعل ويفعل الكثير من زملاءه، ليعوض زمن الحرمان،  ممتصا جيوب المعدمين المثقوبة نافخا رصيده البنكي، وإنما، هو طبيب، ابتلي بتلك "اللوثة" التي تتملك عددا قليلا جدا من أبناء هذا الوطن، لوثة حب الوطن وخدمة مواطنيه، بل هي نار محرقة أحرقت أصابعه الذهبية  ولفحت وجوده الذي اختار له سعادة البساطة عوض شظف البذخ، لوثة حب الوطن وخدمته لأنه أدى قسم أبقراط على ذلك، بينما زملاؤه يفضلون امتصاص جيوب المهمشين ضاربين بالقسم والوطن وشرف مهنة الطب ونبلها عرض الحائط، مادامت حساباتهم البنكية تزداد عرضا وطولا..

استحضار ذكرى قضية الدكتور المهدي الشافعي تزامن مع ملف أمينة اليماني، الشابة التي توسلت إليّ، قبل سنتين لأنشر نداء لها على صفحتي، علّ قلوب الناس ترق لحالها وتساعدها لجمع مبلغ العملية التي لاطاقة لها بها، لتجريها لدى طبيب مصري، بما أن مستشفيات الملك محمد السادس وشركائه الإماراتيين لن تفتح أبوابها لشابة فقيرة من بنات مدينة جبلية هامشية اسمها الحاجب..ورغم ذلك، لم نحصل على نتيجة، لم تجمع أمينة المبلغ اللازم من المساعدات ولم يتحرك أي مسؤول مغربي للقيام بواجبه اتجاه مواطنة لها كامل الحق في التداوي والعلاج المجاني ببلدها..

أسئلة كثيرة تواترت داخل رأسي تواتر الصور في ملخص شريط طويل،

فحياة وسيرة هذا الطبيب الخدوم والمشبع مثلا وأحلاما ونبلا، هي أيضا "حياة وحلم شعب في تيه دائم" كما كتب الراحل محمد خير الدين*

عرفت أن الدكتور الشافعي بعد محنته، التحق، وللأسف،  ب"حظيرة" القطاع الخاص، مرغما!!! وما لايعرفه الأنذال الوضيعون من تجار المآسي والأزمات، أن طبيبا، من طينة المهدي الشافعي، هو شبيه تلك النبتة الجنوبية المنتشرة عشوائيا في أحراش تيزنيت وأكلو ومير اللفت وكل أراضي أيت باعمران، نبتة "الدغموس" الشوكية الوحشية الخضراء ، نبتة تنمو وتكبر وتتكور وتتوالد، غير عابئة بالرياح والشموس والأمطار وملوحة  البحرروزحف الرمال. ، قادرة وحدها على  الصمود بإخراج أشواكها وسوائلها تدافع بها عن نفسها، إلا من أيدي البسطاء الذين يسترزقون عيشهم، منها، يبيعون عروقها للعطارين وتجار الفواكه، مانحة للنحل، صدرها وحليبها ليرعى مرارتها فيحولها عسلا لذيذا باهظ الثمن. 

سيرة هذا الشعب، لاتنتهي عند وضع خاتمة للحكاية، لأنه شعب مفجوع في أحلامه ومعطوب في تاريخه الحافل بخيانة من يحكمونه.



إرسال تعليق

إرسال تعليق