لاجئة

دعارة وحشيش

 



كتبت قبل شهور، نصا، يشبه نصوصي كلها، أسرد فيه حكاية تتلون بلوني الحقيقة والخيال، عن خالتي الإثنتين، بعين طفولية غارقة في تمثلات الماضي الغرائبية، ولغة الحاضر المغموسة في حبر الحرية والشفافية والانعتاق من الطابو واستنطاق المسكوت عنه، فأعجب صديق كاتب أيما إعجاب بهذا النص، لدرجة أنه وضع له عنوانا "دعارة وحشيش" وقرر بعثه لأحد "أهم" المواقع العربية والأكثر تصفحا وقراءة، حسب قوله، استأذنني في ذلك فأذنت له، مع كثير من الشك بداخلي، حول قبول مدير الموقع نشر نص كهذا، ل"كاتبة" مغربية لم تنشر ولو كتابا واحدا، وتفضل التدوين على الفايسبوك، خارج كل رقابة، كنت كتأكدة أن هذا المدير، سيعتبر النص فاجرا وداعرا، وأنه سيثير عليه وعلى موقعه ضجة هو في غنى عنها، خاصة وأن اسم صاحبته مغمور وغير حاضر في سوق وصناعة الأدب والنشر،، وكذلك كان، فقد عاد إلى صديقي معتذرا خائبا، لأن مدير الموقع، تحجج بكون النص يضم، أولا، اسم "العوائل" وهو أمر غير صحيح، فاسمي خالتي غير حقيقيين، ثانيا، كوني أشرت فيه لدولة الكويت، وكأن الكويت لم يمسسها قبلي كاتب ولاكاتبة بسوء، وثالثا، لاستحضار اسم المرحوم الأمير م عبد الله، وكأن ذلك، ماسوف يثير حرب الخليج الثالثة ضد المغرب..  

توسل إلي، صديقي الكاتب المبادر، ألا أنشر الموضوع، فوعدته، لكن الأمر ظل يحفر في نفسي ومنطقي لم يتقبله، ففضلت التخلص من ذلك عبر البوح بالأمر، مع التحفظ على اسم صديقي واسم الموقع ومديره.

النص :

قضت خالتي ربيعة، طفولتها ومراهقتها خادمة في بيوت الرباطيين والفاسيين ويهود الرباط والبيضاء كما بيوت علية السياسيين كأمثال الحاج امحمد باحنيني وبنهيمة وملين، بل إنها اشتغلت عند أسرة نافذة وثرية كان أطفالها الذين يقاربون سنها، يلعبون مع الأمير ولي العهد محمد وأخيه الصغير رشيد وأخواتهما الأميرات، رأيت ذلك بعيني، على صور من الورق الصقيل بالأبيض والأسود كانت تخزنها بحرص بين ملابسها.

ربيعة، تاجر بها أبوها هي وأختها الأصغر منها:  السعدية، وجعل منهما خادمتين ببيوت أغنياء الرباط، بعدما ماتت أمهما التي هي جدتي لوالدتي،  بعدما تزوجته وهي أرملة ترك لها زوجها ابنة واحدة، هي أمي..وأمي، أيضا، اشتغلت خادمة صغيرة وقاصرة عند بعض العائلات الموريسكية الثرية، لكن زواجها من والدي، ابن عمتها، وهي بعمر الثالثة عشرة، أنقذها من عبودية الخدمة لينقلها لعبودية أقل عنفا، باعتبار أنها أصبحت زوجة لرجل كسيب قوي الشخصية ووحيد أمه، وربة بيت وأما  لستة أطفال..

لكن مصير خالتي ربيعة لم يكن كمصير أمي، إذ بمجرد بلوغها السابعة عشرة، بدأ رأسها الجميل وجسدها الفاتن،  يغريانها ويحدثانها عن إمكانية تشتبه حياتها مع حياة السيدات اللواتي كانت تخدمهن، لأنها في الحقيقة، أصبحت تشتغل مربية أطفال رغم أميتها المطبقة، بسبب هدوءها ووداعتها وسرعة النكتة والطرفة في كلامها مع الاطفال المدللين الذين كانوا يحبونها ويعشقون " الشهيوات" التي كانت تغريهم بها كلما أنجزوا واجباتهم المدرسية وناموا باكرًا وامتثلوا لأوامر أولياءهم.

كنت آراها وأنا صغيرة جدا، عندما تأتي لزيارتنا  مرة كل شهر أو شهرين، تنزل من سيارة السيدة الفارهة، كأنها أميرة بفساتينها القصيرة الجميلة موضة بداية السبعينيات، شعرها مقصوص كالممثلات وأظافرها مطلية بألوان زاهية، بينما معاصمها ترن بدمالج من ذهب براق.

كنت أرى لمعان الشهوة في عيون أبي كاما جلست وسطنا بتنانيرها القصيرة تصبغ أظافر قدميها أو تقف بالمطبخ لتعد لنا  فطائر " الكريب" برائحة الفانيلا الأخاذة..وأرى نظرة أمي الحانية نحوها، وكأنها تغبطها وتخاف عليها في نفس الآن..

كانت تقضي عطلتها عندنا، وهي لاتكف عن الحكي لأني وجدتي عما يحدث بين السيد ملين وزوجته أو بين السيد يعقوب وزوجته راشيل..كانت تؤمن إيمانًا أعمى تحاول والدتي إخراجها منه، بأنها واحدة من أفراد تلك الأسر الغنية ، لكنها لم تفهم ذلك أبدًا، إذ كيف تفهمه ووالدها قد باعها وهي طفلة الخمس سنوات، ثم أخذ يقبض ثمن سلعته كل شهر..

إرسال تعليق

إرسال تعليق