لاجئة

من بني ملّال إلى مونتريال

 



قضيت سنتي الأخيرة بالمغرب، بين 2018 و 2019،  رحالة بين مدن المغرب، تأشيرة كندا السياحية في جيبي، مدتها ثلاث سنوات، حصلت عليها شهر مارس 2019، والقلب ممزق لاهو بقادر على تحمل مزيد من الألم والوجع والظلم والحكرة ولاهو قادر على رمي كل شيء وراءه وعبور البحر ..

عندما تخلصت من شقتي بالرباط ببيعها وتسديد القرض البنكي، أضفت ماتبقى لما حصلت عليه من تعويض السنة الدراسية 2017/2018 التي تم توقيف أجرتي طيلتها، عقابا لي  على عمل إنساني اتجاه تلميذ فقير ويتيم كاد يفقد رجله.

كنت أتنقل بحقيبة واحدة، عبر مدن مختلفة،  الرباط، مراكش، الجديدة، بني ملال، ورززات، زاكورة، البيضاء، القنيطرة،..

أصبحت مدمنة RBNB، هذا التطبيق الذي اكتشفته منذ 2015، عند سفري إلى لبنان..

بالرباط، تنقلت بين أحيائه وامتداداته وكأني غريبة. إحساس الاغتراب وأنتِ بمدينتك التي ولدتِ وترعرعت بها، إحساس غريب وقوي، تنظرين لنفسك من خلاله نظرة الآخر للغريب،  والغريبة، كنت أنا التي أعرف أحياء وأزقة ودروب وأركان مدينتي كما يعرف رضيع رائحة أمه..

تلك الفترة، كانت أقسى الفترات في حياتي، فترة تردد وحيرة، بين البقاء والرحيل، بين الصبر والانفجار، بين الأمل واليأس..

ورغم ذلك، سيأتي من يشج رأس هذا التردد ويحسم في أمر حيرتي ثم يدق آخر مسمار في نعش حلمي بالبقاء، ولو فوق جبال الأطلس، نواحي بني ملال، حيث تبدى لي سراب الممكن واحتمال العدول عن الرحيل الكبير والنهائي..

حدث كل شيء بسرعة، كقصة حب من طرف واحد، خلال ثلاثة أشهر، وقعت في حب بني ملال بعد زاكورة، لأجد نفسي بين أحضان  خيط دخان..

الأمل، كان فقط سرابا، أوهمت نفسي بالوصول إلى مرفأ أخير، داخل بلدي، وبلدي يلفظني كما تلفظ الشفاه  الطعام بعد مضغه.

مضغني ولاكني وأدارني بين أسنانه، ثم فضل لفظي خارجه بدل بلعي واحتوائي..

"من بني ملاّل إلى مونتريال" هذا عنوان  للسيرة التي شرعت في كتابتها منذ سنتين، لأتوقف، كل مرة، بسبب عطل في روحي وتطاول الجراح  داخل الصفحات تطاول أكواز الذرة في حقول الغرب الكيبيكي..

أتوقف، أستجمع أنفاسي، أبحث عن دواء النسيان، أعود للمحاولة، أتشتت بين الحنين والخوف والرعب من ذكرى ماجرى، أحتمي بما تبقى لي من عقل وقدرة على التحليل.

هذه الصورة، أعلاه، أخذتها في بيت زوجين بالرباط، الرجل متقاعد من السلك الدبلوماسي، يملك مقهى بحي أكدال، يديره رفقة زوجته كما يديران شقق عمارتهما التي توجد بها شقة ال RbnB التي اكتريتها منها، بعض الأيام، لأنتقل إلى الطابق السفلي لفيلتهما بحي الهرهورة، أقضي فيها، أيامًا أخرى، رفقة إيدير، الذي التحق بي هناك..

اللوحة لي، رافقتني في كل مكان، اشتريتها من الصويرة، رفقة ابنتي، وهي مضيفة طيران في زيارة لبلدها، بقيت مستغربة لحفاظي على اللوحة رغم كل هذه التنقلات والرحلات، إذ سافرت معي منذ مغادرتي الرباط نحو زاكورة، صيف 2016، لتعود لها قبل شهور ..

إرسال تعليق

إرسال تعليق