لاجئة

جدّتي تاجة

 


من هي المرأة التي  أثرت في حياتي بشكل كبير قبل أمي ومدرّساتي ورفيقاتي في النضال  وأستاذاتي وكل المفكرات والباحثات  والعالمات ؟؟

إنها جدّتي، الوحيدة التي عرفتها، أمّ والدي..

كان اسمها " تاجة"  هكذا كتب في دفترها للحالة المدنية.

أجل ، جدتي كان لها دفتر حالة مدنية باسمها، رأيت فيه صفحة لوالدي وحيدها،  مسجلا باسم أبيه الفاطمي..

جدتي، كانت تبهرني بقوة شخصيتها لحد القسوة، امرأة قمحية اللون، شقراء الشعر، طويلة بعض الشيء.

كبرت بالرحامنة فتاة مدللة لوالدها الذي كان عالما أو فقيها، حسب ماحكاه الأقرباء الذين مات أغلبهم ..

في الأيام التي كانت تروق، لاتغضب ولاتزمجر، تجلسني على ركبتيها وهي متربعة فوق " هيضورة" أو مستلقية فوق سريرها بغرفتها داخل منزلنا القديم بحي البيتات بالرباط.

غرفتها تلك، كانت  " كمّوسة" عطر، تضمخ المكان بعطور الحناء والقرنفل والريحان والورد والخزامى والسانوج والشبّ والحرمل..

كل ماتضعه النساء البدويات لطلاء شعورهن وأجسادهن قبل الحمام الأسبوعي..

تحكي  لي جدتي، أنها كانت مفضلة والدها رغم وجود أخواتها وإخوتها، لم يدخلها والدها للكتاب لتعلم القرآن، إلا أنه استعمل كل سلطته الرمزية داخل القبيلة، لمنع أي رجل أن يمس شعرة منها أو يدوس لها على طرف أو يهين كرامتها.

حين زوجها لأول مرة، وهي ابنة الثالثة عشرة، لكثرة خطابها المشدودين لجمالها وفتنتها، هربت من بيت زوجها الأول وعادت لبيت أبيها باكية، لم ينهرها أو يعيب عليها، بل احتضنها وطيب خاطرها وقال لها :

-  بيت بّاك، أبنتي، هو بيتك 

هكذا، اشترطت على الزوج الثاني والثالث والرابع أن تظل في بيت أبيها وألا تذهب لبيوتهم كي تشقى وتتعب في أشغال البيت والرعي والحرث والحصاد..

وبذلك، أصبحت لدى جدتي موسوعة أزواج، لم تكن تتذكر عددهم وأسماءهم كلما سألتها عنهم، كانت تكتفي بالرد ضاحكة :

- شكون عقل عليهم، حنا ماكناش نديرو العقد حتى جات فرنسا

- ولكن علاش كنتي تفارقي معهم ياجدتي؟؟؟

- شوفي أبنتي، اللهم عرمة براوات ولا ولاد لخراوات 

لم أكن أستوعب العبارة، حتى تزوجت وبدأت معاناتي مع زوجي وأسرته، كانت الوحيدة، دونا عن أبي وأمي اللذان يحاولان إصلاح الوضع بيني وبين زوجي وبين جدتي التي تردد على مسمعي عبارتها المقدسة:

- عرمة براوات ولا ولاد لخراوات !!!

إرسال تعليق

إرسال تعليق