حياة اللاجيء ليست هي حياة المهاجر..
طبعا، الجميع، ربما الجميع، أصبحت أخاف من هذه الكلمة، ينتفض مديري في العمل بوجهي كلما استعملتها، يوبخني بلطف وسخرية، يقول لي: السوسيولوجي لايستعمل أبدًا كلمات مثل « Tous/ tout le monde »
أعود فأنظر لحياة اللاجئات واللاجئين، من كل الأصول التي خالطتها هنا، خلال هذه الأربع سنوات، التي ستكمل دورتها شهر أكتوبر المقبل..
أراني لاأشبه أحدًا بينهم ولايشبهني أحد..
حتى بوسط النساء اللاجئات من دول إفريقيا وشرق أوسطية وآسيوية..
نساء كثيرات، قدمن هنا، لكندا ولإقليم الكبيك، عازبات، حبليات أو مرضعات وبأيديهن أطفال آخرون، مرفوقات بأزواجهن أو شركائهن أو وحيدات أمهات عازبات..
بينما، أنظر لنفسي، قدمتُ وحيدة " بلا عائلة"
، أشبه الطفل " ريمي" بطل قصة « Sans famille » للروائي الفرنسي هكتور مالو..
جئت، أيضا هنا، لا أبدأ حياة أسرية جديدة، للبحث عن شريك وإنجاب أطفال والغوص في ملذات ومتاعب الحياة الأسرية، لأن كل هذا عشته في حياتي الأخرى، ببلدي المغرب،
لاأشبه هؤلاء النسوة اللاجئات، سواء كنّ من هايتي المكسورة بالفساد السياسي والكوارث الطبيعية، أو من المكسيك، البلد الساحر الذي تنخره كارطيلات تجارة المخدرات والبشر والسياسة،..
أنا إفريقية، هذا ليس فيه شك، ولأني أنتمي لشمال إفريقيا، للحوض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، أحاول مقارنة حياتي ومساري ووضعي الجديد كلاجئة مغربية، بوضع الجزائريات اللواتي قدمن هنا، سنوات التسعينيات، إبان فترة العشرية الدموية والحرب الأهلية بالجزائر، فأجد شبها قليلا، فأغلبهن علمانيات ملتزمات لكنهن مبالغات في موقفهن المبهم من دين واحد، عو الإسلام، عدا باقي الديانات،
أبحث ثم أبحث، عمّن أشبههن ويشبهونني، لأنتمي لهن وينتمين إليّ، لنصنع العائلة والجماعة والمجتمع المدني الذي تجمعنا ضمنه قيم نؤمن بها وندافع عنها..فلم أجد أحدًا..
فكرت، في بعض الأصدقاء والصديقات المغاربة اللادينيين، المنتشرون هنا وهناك على رقعة القارة الكندية وتخومها الأمريكية، وجدت أن أغلبهم شباب حديث العهد بالأسرة والزواج وغارق حتى أذنيه في مشاغل الحياة اليومية للأسرة والعمل والزمن المتسارع كضربات قلب عدّاء يصعد مرتفعا، حظيت من أغلبهم بدعوات كريمة، استجبت لها بدون طمع فيما هو أكثر..
لاأكتب عنّي لأشتكي فرادتي، بل لأؤكد، رغم سوريالية معنى التأكيد، بأن حالة الاستثناء الاجتماعي، ممكنة جدا، في وضعي كلاجئة، لاتستسيغ ولاتستعمل تعبير " مغتربة" أو " مهاجرة"..
الاغتراب، هو إحساس بالحنين للبلد الأصل، بينما إحساس الاغتراب، ذقت مرارته وأنا ببلدي المغرب، بين عائلتي وأصدقائي وزملائي وحكامي ومسيري دولة حملت ولازلت بطاقة هويتها كمواطنة مغربية، سلبت منها حريتها وأمنها وبقيت البطاقة في جيبها، لم تنفعها في شيء، رغم مرافقتها لي، ضمن أوراق محفظتي جنب رخصة السياقة والبطائق البنكية التي انتهت صلاحيتها كما انتهت صلاحية انتمائي لوطن منحني هويته وأخذ مني حلمي بالتقاعد بين أحضان صحرائه أو جباله، وطن ترك العابثين بالسلطة يخدشون وجه الأمل..
لست مغتربة، ولاأشبه المغتربين بل لا أشبه أغلب اللاجئات واللاجئين..
إرسال تعليق