منال، هي آخر حبة في عنقود ستة أطفال في عائلتها، ثلاث أولاد وثلاث بنات، مرتبين هكذا بعناية القدر، ذكر تتلوه أنثى، الخمسة منهم متشابهون جدا، يحملون ملامح الأب أو الأم أو هما معا.
فالأخ الأكبر، مثلا، أخذ من أبيه شقرته ومن الأم بياضها وشساعة العينين، ومنهما، معا، قصر القامة وصلابة العود
أما الأخت الوسطى فكانت شقراء فاتنة، بشعرها الذهبي الحريري الطويل، ببياضها العاجي الصافي، بيضاوية الوجه كأمها، ساحرة الابتسامة ناصعة بياض الأسنان كوالديها. ء
إلا منال، لم تكن تشبه أحدا داخل هذه الأسرة، سمراء جدا حد الزرقة، حتى لقبت ب " التركة"، بشعر مجعد، ملامح الوجه صحراوية مع أنف مفلطح وبارز، كان الجميع، ومنذ ماقبل بداية الكلام لديها والفهم، يسخرون منها وينادونها :"عزية" "الكحيلة" " كحلوشة..
حتى أمها، التي هي أعرف الناس من أين وكيف جاءت بنطفتها، كانت تناديها في ساعات الغضب، بالكحلوشة،
كبرت منال، طفلة عصبية دائمة الصراخ والبكاء والاكتئاب، تبكي لأتفه الأسباب، لاتفهم سر هذا الاختلاف الذي وصم وجودها، هي ليست مسؤولة عنه، حين كبرت ونضجت، لم تطرح على أمها ولو سؤالا واحدا عن الموضوع، بل لم يطرحه أحد من العائلة..
الحقيقة التي لم يكن أحد مستعد لسماعها، أن الزوج، زوج أم منال، حين رأى وجه منال، عند ولادتها بالمستشفى، أصيب بنوبة غضب وحنق شديدة، هاجم بسببها الأم النفساء، أمام القابلة والممرضة وتلك المرأة الطيبة من أقاربهما التي كانت ترعى زوجته حين الحمل والوضع وكأنها إحدى بناتها،
لم يتقبل أن تضع زوجته طفلة سمراء صحراوية الملامح لاتمت له ولا لها بأي شبه، صرخ في وجهها، وهو المعروف بقسوته وشدته وغلظته معها :
" من أين جئت بهذه البنت أيتها المرأة؟؟؟؟"
حاولت قريبته تهدئته ماأمكن، طلبت منه أن يستغفر الله، وأن يتذكر ماكان يقوله الأجداد، بأن العرق دساس، وأن من بين أقربائهم من هو بسمرة وملامح ابنته،
لم تزده هذه الكلمات سوى استيشاطا وعصبية وغيرة، أجابت الأم بالدموع ولاشيء غير الدموع، ومع توالي الأيام، لم يعد الأب يهتم للأمر، بل لم يبحث أحد عن الحقيقة، بقي سر تلك النطفة الغريبة التي اندست ذات يوم في رحم الأم، ربما انتقاما من الأب، لكثرة نزواته وغزواته النسائية، في طي الكتمان...
إرسال تعليق