لاجئة

على حافة الجنون بمستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية بسلا

 قضيت شهرًا من سنة 2015، داخل المصحة العقلية والنفسية " الرازي"، بالمدينة الصغيرة " سلا" المجاورة  للرباط والمحيط الأطلسي ومقبرة ومدينة موريسكية ..

حين استقبلني " الماجور" رئيس الممرضين ومعه الممرضة الرئيسية، فتشوني كمجرمة، أخذوا مني هاتفي النقال وغلفوه باللصاق، ثم ملقط الحواجب، مبرد الأظافر، سكين، قلما ذا رأس معدنية..أخذوا مني كل شيء ، مدعين أنه يشكل خطرًا على حياتي، ومع ذلك، رأيت رفيقات المصحة، بعلب سجائرهن وهواتفهن الاحتياطية اللتي خبئنها بين أفخاذهن، وسط الفوط الصحية..

كانت جميعهن تقريبا، شابات بعمر ابنتي أول أقل، مدخنات، مدمنات،  إلا سعاد الريفية، شريكتي بالغرفة، وأستاذة الفرنسية الغارقة في حالة اكتئاب حادة، ثم المرأة التي ترفض الكلام مع الجميع، تحتل غرفة ركنية في مربع المصحة الصغيرة، يأتيها طعامها مع ممول خاص من القصر الملكي، لأنها كانت إحدى محظيات حريم الحسن الثاني.. لايزورها أحد أبدًا، ولانعرف هل هي مريضة أم سجينة أو مقطوعة من شجرة العائلة وليس لها مكان تذهب إليه عدا هذا المستشفى الكئيب..

في الصباح، كنت أستفيق متعبة، أولا بسبب الكوابيس التي تطبق عليّ مشحونة بمنظر أختي زهرة وهي تضع سكين المطبخ  العريض حول عنقي ، بينما زوجها يكبل يديّ وراء ظهري، ثم منظر أمّي وأختي آمال، بعد التحاقهما ببيتي، وهما تخنقان فمي وصوتي حتى لايسمع رجال الدرك صراخي استغاثتي.. ثانيا، كان صوت سعاد المسكينة، وهي تقفز من فراشها كل ساعة، تهاوش، تشير بيديها في الهواء لتطرد شبحا ما يحلق فوق رأسها لتقوم في الأخير بالبصق  على الأرض وفراشها وملابسها..

أقوم من فراشي، أشعل الضوء، أمدها بالماء، أهديء من روعها، أحضنها رغم بلل فراشها بالبصاق، أقول لها بأني هنا، تعود للنوم كطفل صغير أرعبته عاصفة فتلقفه حضن أمه..

لاسبيل لمعرفة ماسبب مرض وصدمة سعاد، لايزورها أحد من الحسيمة، كما لايزورني أحد من  أسرتي، لأن طبيبتي المعالجة منعتهم من الزيارة، وحين قدمت أمي وأختي آمال نحو المصحة بالورد والفواكه، كمن يقتل القتيل ثم يمشي في جنازته درءاً لشبهة التورط في الجريمة، منعتهم حارسة الباب، أخذت منهم الفواكه والورد، قدمتها لي، فرميت بالباقة في سلة القمامة  وتقاسمت الفواكه مع سعاد وجاراتي حين وجبة الغداء بالمطعم..

كانت سارة، ابنة إحدى الصديقات، تشتغل حينها بمصلحة التغذية والإطعام، كانت تأتي في فترتي الغداء والعشاء، رأيت الصدمة على وجهها حين رأتني هناك، ومع مرور الوقت، صرنا ندردش قليلا حين تنتهي ضمن فريق عملها من توزيع الطعام، سألتني مرارًا عما أريد من الخارج، شكرتها وأخبرتها بأن صديقاتي نضال وليلى وسعيدة تجلبن لي كل ما أحتاجه، بل حتى سيارتي وبيتي الذي اكتريته ولم أسكن به بعد البيت الذي هجمت عليّ فيه أختي الأستاذة الجامعية وزوجها الدركي وأمي واختي المفوضة القضائية ، الواقع بحيّ الهرهورة الشاطئي الهاديء.

في الصباح، كنت أتصرف كشخص عادي، لايعاني من شيء، ألبس بذلتي وحذائه الرياضيين، أطوف على مربع المصحة، أعد فطوري وأذهب لأخذ القهوة أو الشاي ذي المذاق المقرف، أمد ذراعي للممرضة لقياس الضغط، وأفتح فمي لتلقي كل أنواع الحبوب والعقاقير التي يدسونها في فمي، حبوب بألوان مختلفة وأسماء معقدة، قبل الفطور وبعده وقبل العشاء وبعده، حينها فقط، كنت أدرك خطورة حالتي، وأنني على حافة الجنون..



إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. مادة دسمة من أجل كتابة سيناريو فلم

    ردحذف