غرب المدينة العملاقة الضخمة هو الامتداد الجغرافي لمنطقة ال Westmount، معقل بورجوازية وأغنياء المدينة..أغلبهم من إصول بريطانية وأمريكية إضافة للجالية اليهودية وبعض من الجالية الهندية المنتشرة على امتداد أحياء Sud-ouest، حيث تأتي تباعا أغلب فئات المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين، من جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وإيران وأفغانستان والباكستان والشرق الأوسط وحتى دول الخليج، إضافة لعدد قليل من ساكنة شمال إفريقيا وباقي إفريقيا الناطقة بالفرنسية أو الانجليزية..
يعتبر عمل اللغة محددا كبيرا في اختيار منطقة الاستقرار الأولى..
ولذا، فمقاطعة CDN-NDG التي تضم كل هذه الأحياء، هي أكبر محتضن لمختلف الإثنيات والجنسيات والفئات المهاجرة، من الطلبة الأجانب وحاملي تأشيرات العمل القصيرة أو الطويلة والمهاجرون الاقتصاديون ثم اللاجئون وطالبو اللجوء..
عند قدومي للكبيك، ذهبت مباشرة لمدينة الكبيك انطلاقا من مطار ترودو الدولي، بقيت هناك عشرة أيام، أقمت خلالها بفضل تطبيق RBNB، بثلاث عناوين تقع بثلاث أحياء مختلفة للتعرف أكثر على المدينة..
سحرتني المدينة تحت ظلال الخريف وألوان أنواره المتموجة وأوراق أشجاره المتناثرة بجمالها الفاتن المزركش بكل طبقات الأرجواني والبرتقالي والأصفر والأحمر والبنفسجي..
استقبلتني المدينة باحتفالها بعيد الهالوين، بفخامة تزيين سكانها لمداخل بيوتهم وشرفاتهم بأنواع مدهشة من القرع الأحمر ودمى الرعب والفزاعات..
لاأعرف ما الذي دفعني لتركها والاتجاه نحو مونريال، هل هو اعتقادي الواهم بأن الإدارة تكون أقرب وأسهل بالمدينة الكبيرة كما اعتدت ذلك ببلدي..
حين وصلت بالقطار لمحطة مونتريال الكبيرة، لم أعرف كيف أتجه نحو محطة الميطرو الأرضية أو الحافلة ولم يسعفني حتى ال Google map في معرفة كيفية الخروج من المحطة نحو مرآب سيارات الأجرة..
كانت الريح الباردة بعض الشيء تهب بالخارج، لم أرد، كعادتي، طلب المساعدة من الناس، كنت أضحك من نفسي وأنا أرى أن المسألة لاعلاقة لها بالكبرياء الذي يركبني..
وكأي مغربية مجبولة على اختراق الصعب حتى ولو كان خطا مستقيما نحو الصواب، عثرت على سائق طاكسي " غشاش" قرب أحد أبواب المحطة، من لكنته بدا جزائريا:
-إلى أين سيدتي؟
-Rue Rivard numéro 4580
-Bienvenue madame, tu es Marocaine ?
الجزائري يعرف لكنة المغربي والمغربي كذلك، في حين يخلط الآخرون بيننا..
سائق طاكسي ثرثار وفضولي، بقيت محتاطة في ردي على أسئلته الغارقة في الامور الشخصية، وهو نفس الشيء الذي سوف ألاحظه عند كل سائق من أصول إفريقي، حين يعرف أني مغربية..
وقع لي نفس الأمر، مع أول سيارة أجرة أضع بها قدمي بمدينة الكبيك بعد وصولي إليها في اليوم الأول، عند خروجي من محطة الحافلات، حيث الوقت بعد الثامنة ليلا، والمدينة شبه فارغة، أجد سيدة كبيكية، أربعينية رشيقة، شقراء، مبتسمة، ترتدي بنطالا وكنزة سوداوين وتدخن سيجارتها منتظرة سيارة طاكسي حجزتها هاتفيا..
عندما خرجت من باب المحطة بحقيبتي الحمراء، لم أعرف اتجاه محطة الطاكسيات، سألت السيدة الشقراء، فعرضت عليّ مشاركتها السيارة التي ستأتي بعد دقائق، وصلت فعلا، جلست هي بالمقعد الأمامي بجانب السائق وجلست في الخلف:
- آهلا سيدي، سوف أنزل في Sainte Foy وستنزل السيدة بعدي في شارع Saint Jean
- مرحبا سيدتي
أدركت أن السائق مغربي أو جزائري، بدأت المرأة تمازحه عندما أدار موسيقى لاتينية على مسجل السيارة:
- يالها من موسيقى جميلة، أكيد سوف تنهيها سهرة جميلة ببيتك بين كأس نبيذ وعشاء ورقص مع حبيبتك!!
ضحك الرجل، بدا مماشيا لها في كلامها..أكد لها تصورها اللذيذ عن أمسيته..
نزلت السيدة، ودعتنا وشكرتها بحرارة، استدار السائق نحوي ثم قال بدارجة مغربية بيضاوية قحة:
- أهلا أختشي.. عرفتك مغربية الله يعفو عليّا من بحال هاد الخانزات القبقوبيات، فين غادية بالضبط؟؟؟
أجبته بالفرنسية دون تعليق عما تلفظ به من عفونة :
- Saint Jean et rue Thomas s’il vous plaît monsieur !!
حاول جرّي للدردشة، كنت أجيب باقتضاب شديد بالفرنسية فقط، عند الوصول، حاول إقناعي بحمل حقيبتي حتى باب البيت، رفضت بشدة وبأدب، وبداخلي إحساس فظيع ومرعب كأنني لم أغادر المغرب البارحة..
إرسال تعليق