في مثل هذا اليوم من سنة 2019، ركبت طائرة الخطوط الكندية من مطار محمد الخامس بالبيضاء، متجهة نحو مطار ترودو بدورفال-مونريال، في قاعة الانتظار، تعرفت على سيدة فلسطينية تقيم بالولايات المتحدة الأمريكية جاءت للمغرب في زيارة لابنها الذي يدرس بالرباط..
عند وصولي لكندا، جاءت صديقتي لطيفة لاستقبالي محاولة استضافتي ببيتها، لكنني أخبرتها بأنه علي التوجه نحو مدينة كبيك، فقد حجزت شقة صغيرة هناك عبر تطبيق RBNB، وسوف أعود، كل الوقت، لزيارتها هي وزوجها اللطيف وابنيهما..
غير أن ماأثث المسافة بين نقطتي الذهاب والوصول، هي عيون خديجة، صديقتي المكناسية الجميلة، رفيقة النضال والحياة والصداقة..
خديجة، هي الوحيدة التي انهزمت أمامها، كما لم أنهزم أمام ابنتي وحفيدتي، وأخبرتها هاتفيا، بأنني راحلة، مغادرة، مهاجرة، مفارقة، بلدي المغرب إلى غير رجعة..
كنت حينها في القطار بين مراكش والرباط، بعدما قضينا معا سهرة حلوة ولطيفة وسط رفيقات ورفاق شبيبتنا الاتحادية، في لمة تعقد سنويا. تسللت بعدها، وذهبت لزيارة ابنتي وحفيدتي، كنت أعانقهما عناق التي تعرف أنها لن تراهما إلا بعد سنين، عندما تقرر المجيء لزيارتي، لكن الأشق عليّ، حينها، هو ألا أخبرها، حتى لاتُضعِف قراري وعزيمتي بتهويل الأمور..
غير أن عيون خديجة كانت لي بالمرصاد، ألحت خديجة، عليّ ،بأن أتوقف بمحطة أكدال،فهي طريقها للرباط، رفقة بعض الأصدقاء على متن سيارتها..
توقفت بمحطة أكدال، وكنت قد اشتريت حقيبة كبيرة جدا، ظانة أنه باستطاعتي حمل ستة وخمسين سنة من عمري بالمغرب، داخلها، عندما وصلت خديجة للمحطة، عانقتني بحرارة، وفي عيونها رأيت مأساتي، مخاوفي، انهزاماتي، أحزاني، تساؤلات عدة وحنانا مشوبا بالأسى الكبير..
أصرت خديجة، مرة أخرى، على إيصالي للفندق ببرشيد، حيث حجزت غرفة للمبيت وسيارة بسائق توصلني صباحا للمطار..
في الطريق، عدلت عن فكرة الحقيبة الكبيرة، اقترحت عليها التوقف بمرجان لشراء حقيبة أصغر، اشتريتها ووضعت أغلب الأشياء التي اعتقدتها ستربطني بجذوري : صور، لوحات، كتب، حلي، ملابس، بعض الوثائق..تلك الجذور التي تقطعت تحت وطأة العنف والاضطهاد والكراهية والمضايقة وانعدام التضامن، تخليت عن تلك الأشياء، وضعتها في الحقيبة التي سلمتها لخديجة بغرفة الفندق، غير أن الذكرى وتفاصيل كياني كمغربية هي أكبر من كل حقائب الدنيا وعصية على النسيان والتناسي..
كلما حل هذا اليوم، ستظل عيون خديجة المتأسية والحزينة والمتعاطفة، بدموعها المقاومة للنزول، أمامي، تحضرني وتذكرني بأنني غادرت المغرب بتذكرة ذهاب وإياب، غير أن تذكرة الإياب، احترقت بداخلي كما احترقت صورة الوطن الذي لم يعرف كيف يرافقني كما رافقتني خديجة إلى آخر نقطة قبل الوداع..
إرسال تعليق