حول كأس شاي مغربي وحلويات ومكسرات، تحلقنا البارحة، أربع مغربيات من أربعة أجيال : من الستينيات إلى التسعينيات..
كنّا ثلاث زميلات والرابعة صديقة مضيفتنا، حديثنا كان عاديا حول كل مايشغل المهاجرات الحديثات من جيل هجرة كورونا، الجيل الذي يقتسم هموم الانتقال للعيش بكندا مع كل مارافقه من انقلاب في حياة بلد مغلق لم نعرف كيفما كان من قبل ولن نعرفه أبدًا..
حديث عن الجوازات والتأشيرات ومشاكل التنقل والإدارات والشغل والتكوين والسكن والدراسة..
تلاه حديث عن الرجل والحب والزواج والعلاقات الأسرية..
كلام نواعم عن قسوة الاختيار، تحليه رشفات من كأس شاي منعنع وقضمات من كعب الغزال اللذيذ..
ثم قررت مضيفتنا تشغيل التلفاز، مبرمج على القناة الأولى..أصبت بدهشة، خصوصا أني كنت، حتى وأنا بالمغرب، أكره التلفاز وصرت أعيش بدونه لسنين كثيرة خلت..
هنا، أيضا، ليس لدي تلفاز وبالأحرى مشاهدة قنوات مغربية..
كانت نشرة الأخبار على القناة الأولى، طلبت من صديقتي أن تخفض الصوت أو تلغيه لأننا نتكلم ولاأستطيع تحمل ذلك..
استجابت لي، وجدتني أغرق في الصور المتحركة القادمة من المغرب على نشرة الأخبار..
رأيت صديقات أعرفهن على الشاشة مثل الرائعة Rokia Achmal رأيت كذلك خديجة الزومي وسعيدة واعد روجوها نسائية أعرفهن في ساحات النضال النقابي والنسائي تشاركن في ندوة بمؤسسة الفقيه التطواني..
ثم رأيت نفس الأشياء تتكرر، كما تركتها في مكانها، وكأنها تنتظرني لاتريد التغيير: ملامح الناس، غبار الشوارع يعلو كاميرات المصورين، تهليل الناس للملك، أخبار زائفة وكاذبة تحاول إضافة طبقة أخرى من الماكياج لوجه بشع مثقوب ومليء بالحفر والنذوب والتجاعيد، أخبار من هنا وهناك لاعلاقة لها بالأخبار، توقيع اتفاقيات وندوات في الفنادق وأشخاص بربطات عنق يقولون كلاما للكاميرا يبدو كاذبا وإن لم أسمعه..
غرقت في متابعة نشرة بدون صوت، انتبهت لنفسي، قلت لرفيقات الجلسة:
- أحسّ بأنّي لو عدت للمغرب بعد عشر سنوات، سوف أرى التغيير نحو الخلف في كل شيء أم أني غارقة في التشاؤم؟؟
- أجبنني تقريبا، بإجماع:
- أكيد، المغرب يتغير نحو الأفضل، هناك بناءً ومشاريع وطرق ومحلات هنا وهناك، لكن عقليات الناس تسير إلى الوراء تماما، الوعي في الحضيض والذكور أفظع من الإناث..
استغربت كثيرًا من إجماعهن على نفس الجواب، ثلاث نساء من أجيال متقاربة، لم تعرفن ساحات النضال ولا نقاشات السياسة ولاحقوق الإنسان، ومع ذلك كان رأيهن مجمعا على كون المغرب يغرق ويغرق ثم يغرق ولذا فهن قد اخترن القفز من السفينة قبل فوات الآوان..
إرسال تعليق