الصحراوي

سيرة مدرِّسة مغربية

 امحاميد الغزلان :خارج الخريطة





كانت أول مرة، أسمع أشخاصا يتحدثون عن محاميد الغزلان، بالمدرسة الفرنسية أندري شينيي بالرباط، حيث اشتغلت تسع سنوات، كن زميلات فرنسيات، قدمن للتو للاشتغال بالمغرب، صدمت وأنا أسمعهن يحكين بلذة وانتشاء عن رحلتهن في عطلة رأس السنة، نحو الأطلس الكبير ثم محاميد الغزلان فصحراء الشكاكة وعرق ليهودي، تزلزل شيء ما بداخلي، كان يقينا متحجرا ومتكلسا ومنغلقا كما تنغلق الحدود بين شعبين هما في الأصل واحد: المغرب والجزائر، كانت علاقتي بالمكان طيلة عمري لغاية تلك اللحظة، مجرد نقطة حارقة ومرعبة على الخريطة، جنوب شرق المغرب، كنّا تلاميذ صغار، عندما ننجح في درس الجغرافيا في تحديد رقعة المغرب، نحس بدخان العنف وحروب مجانية تخرج من خطوط الطول والعرض على الخريطة المعلقة على جدار القسم، كما علقت آمال كل المغاربيين في معانقة بعضهم، وكما أوقفت سكك القطارات التي تؤدي إلى محطات الحب والمشترك الجميل، إلى قصص الجدود وحكايا الجدات الجميلات، بوشمهن على الجباه والأكف، وعيونهن الصقرية بلون البحيرات، وأمازيغيتهن الصادحة كسمفونيات، تطرب القلب والسمع، دونما الحاجة لفك رموزها وألغازها...

واليوم، وبعد رحلاتي المتعددة نحو محاميد الغزلان، على هدي زميلاتي الفرنسيات، اللواتي علمنني أن الحياة سفر، وأن حب الأرض والإنسان، هي في العودة للطبيعة، واختراق الحدود، حدود الخوف، وحدود العنف وحدود المدن التي تكلّس الممكن، ها أنا ذي، أحلم بالعبور نحو ماوراء الصحراء،
عبر سفينة الشعر الزرقاء، والتي رُبَّانِها هذا الحب بين الشعراء المغاربيين، وزادها رغبتي الهوجاء في السفر والتنقل والترحال، ومعينها، مشروع سلام يعم قلوب الناس جميعا.
إرسال تعليق

إرسال تعليق