الصحراوي

زاكورة، الفردوس المفقود




 الجنوب الشرقي من واحة درعة في منبتها عند سفوح ورززات إلى تخوم امحاميد الغزلان، لم يكن هوية مهنية، فحسب، كموظفة سابقة لدى وزارة التربية الوطنية، علاقتي بهذا المكان لاتحددها زمنية اشتغالي به كمدرسة فلسفة تأخذ أجرها من وظيفتها، وإن كان سؤال الأجر مقابل التدريس حامل في ذاته لألف استفهام عن هذا التقابل المستحيل، إنه شيء أكبر وأعظم، رغم نبل الرسالة.

الجنوب الشرقي؛ هو إحساس الوقوع في الحب الأول في حياة كل بشر، شعورجارف وقوي، أقوى من انجراف التربة والحصى وأوراق الشجر في ممر نهر درعة العظيم. حب لايحتاج فهما أو تفسيرا داخل نظرية تبتغي الموضوعية لظاهرة إنسانية ، هي ظاهرتي. لاأهتم بعناء تبريرها. كل ما أدركه بالوعي والحدس الممكن لذاتي القاصرة عن فهم دوافع اقترافها فعل الهجرة المضادة، هو أن الجنوب الشرقي فتح لي ذراعيه حاضنا لجراحاتي عندما أغلقتهما أمي في وجهي، هو الذي ضمد ندوب روحي بعدما أثخنتها نبال الغدر والتكالب بالعاصمة حيث سقط رأسي كما أسقط حبي لها من وجودي، هو الذي بشموسه الساطعة ونجومه المشعة وأقماره البهية ، أشعل أنوارا جديدة في أركان الظلام، الذي كاد يكلفني حياتي، على يد من كنت أحبهم وأنتمي إليهم بالدم والعٍرق والجينات والاسم.

كان الجنوب الشرقي ملاذي، رغم حقد وقسوة وتكالب بعض الذين عميت أبصارهم عما يراه بصري من سحر وجمال فيه، في بساطة أهله الذين أقتسم معهم مكانا مزدحما داخل سيارة أجرة تحمل فوق طاقتها، لأجل وداعة الابتسامة الطافحة في وجوههم السمراء المحترقة شموسا وصبرا، تمنحني طاقة أكبر تخذر غضبي، تسكن هواجسي وتنير لي دروبا جديدة للسير نحو السلام والطمأنينة.

الجنوب الشرقي هو كل جيراني الذين يملكون هواتفا لكنهم مازالوا يحتفظون بعادة دق الباب في أي وقت لطلب شيء أو اقتسام خير من الخيرات، قد يكون خبزا بشحم أو تمرا من الحقل أو خبر موت أو زواج.

الجنوب الشرقي، ليس منفاي حتى أهاب فيه عمى الذين قد يصطدمون بي وهم يتحسسون طريق جرائمهم نحوي، الجنوب الشرقي، هناك، بأكدز، كانت بداية البدايات ثم صارت نهاية النهايات.

Toutes les réactions :

إرسال تعليق

إرسال تعليق