أمي

روائح أمي

 



الآن، ونسائم الصيف تدق على الأنفاس، أشتاقك أمي كما لم تشتق الطيور لأغصانها ساعة الهجير، أنت هنا، قريبة جدا كالشمس، تحرق جلدي لكنك مثلها أيضا، بعيدة عن يدي، بعيدة عن عيوني التي نشفت دموعها كسواقي مهجورة، وبعيدة عن عناقي لحضنك أبعد حتى من حلم المهاجر، قهرًا، بالعودة لموطنه الأصلي..

هذا الصيف يحرضني على كسر تلك المتاريس التي وضعها الجلادون في طريقي الذي كنت أسلكه نحوك، حيث كانت ترشدني إليك، شهيتي المنفتحة لروائحك المثيرة المخترقة لمسام جلدي الأبيض كجلدك، روائحك شهية، أيا أمي، أشتاقها بحرقة وانكسار لايعادله انكسار الأمل في قلب عاشق مغدور، 

روائحك كانت جنتي فوق هذه الأرض، حين غادرني الاعتقاد بجنة خارجها، شعرك، كحل عيونك الحوراوين، عطر جسدك الوفير والحنون، عبق طبيخك اللذيذ، وأركان بيتك البهي، ذي الأصص المدللة بيديك المخضبة حناء، تحن على الحبق والصبار والورد والغنباز العطر، تملكتني غيرة من، تلك الأصص الجميلة، وأنا أراقبك بخدرٍ لذيذ، تقتلعين شتلات منها، تهديني إياها، أحملها معي لكل تلك البيوت التي سكنتها، مذ غادرت بيتك الدافيء، حيث أوغل العسس القساة يحيطون به وبك، ينصبون أنفسهم حراسا للعطر والحب ويحسبون عليك، كل دعواتك لي، بالنجاح والتوفيق، يحصون حبات العرق المتصبب خوفا منكِ عليّ، من جنون الحياة الذي أصابني عندما غادرني الخوف والحذر من العيش بعنفوان..

الآن، يا أمي الحبيبة، أُحمِّلُ نسمات الصيف، سلامي إليك، فافتحي نوافذك ذات الستائر الخزامية والوردية، ودعيها تقبل وجنتيك الكريمتين.

أمّي، مهما ردّدتِ عبارة " ربّ ضارّة نافعة" وأنا أحدثك عن مقامي هنا، عن وضعيتي الجديدة، ومهما أعَدْتِ، على سمعي في الهاتف، بصوتك المكسور أحيانا والمتهدج الناقم، أحيانا أخرى : " رتاي وحاولي على راسك من الكتابة فذاك الفايسبوك" ستظلين أمي التي أحبها كلما هبّت نسائم الصيف وأعقبته كل الفصول..

كل ماأعدكُ به، ياأمي، أن أحوّل مأساتي نحو وجهة أخرى، أشدّ  وقعًا على الأوغاد، أن أستخلص روائح جلدك وشعرك وعطر حضنك وطيباتك في قارورة عطر بحجم هذا الغياب.. 

مونتريال- مايو- 2022

إرسال تعليق

إرسال تعليق