كلما هاجت عليّ أمواج الذاكرة، أعرف في ثنايا بحور عشقنا ونحن بشقته الأسمنتية البسيطة وسط بلدة أكدز.
لاأعرف السبب، ربما لأن أول مرة تضاجعناا، كانت هناك، لم تكن ببيتي الطيني الفسيح، داخل دوار صغير بقصبة تامنوكالت،
أتذكر المرة الأولى، كانت كربيع هذه الأيام، الحرارة مشتعلة كحواسي والأجواء حولي ملتهبة ولاطنين في أذني أو صورة تسكن مخيلتي، إلا صورة التحام بياضي الحليبي بسواده الأبنوسي..
تلك الليلة، دعانا صديقنا الأستاذ الشاب الذي تزوج حديثا لعشاء بشقته الخالية من الكماليات عدا عروسه الطرية التي أكملت كل نواقصه ..
كنا سبعة أفراد : أربع أساتذة وثلاثة من خارج القطاع..
أثارني شيء ما، غير مألوف، على الأقل بالنسبة لي، طيلة الوقت الذي جلسنا فيه، نتعاون على إعداد العشاء، ثم الشاي والحديث الضاحك الضاج بنكت الصحراوي وقهقهاته، كان يضحك من كل شيء وبسبب أي شيء. انتبهت لكون زميلنا الشاب، أستاذ الفيزياء، لم يرفع يده من على فخذ الصحراوي، حبيبي المقبل، كيف يستمر في وضعها هكذا؟
مجتمعنا منفصم ومتفسخ بطريقة مقلوبة، إذ لو وضعتها بدله، لما تقبل رفقائي الأمر، كنت أحس بغريزتي أن زميلنا هو مثلي، يضاجع الصحراوي خفية، هو حقهما، غير أني عندما سألت الصحراوي بعد مدة من علاقتنا:
- هل تضاجع الأستاذ صلاح؟
- ماذا تقولين أيتها المجنونة؟
- لست مجنونة، بل الأمر عادٍ جدا لدي
-مالذي جعلك تقولين هذا الكلام؟
- حميميته اتجاهك، التصاق جسده بجسدك ووضع يده على فخذك طيلة السهرة، إلى غاية جلوسي بقربك
- هذا هراء، أنت فقط تتخيلين أشياء لاتوجد سوى. في مخيلتك الشبقة!!
لم يقنعني كلامه ولم أبحث عن جواب، وجدت له العذر، فشاب في الأربعين مثله، بكامل فحولته ووسامته وجاذبيته، لايمكنه أن يصوم عن الجنس طويلًا، إن غابت الأنثى من حياته فالذكر حاضر ومستعد ومتلهف.
ماكان يغيظني هو ازدواجية المعايير والكذب حتى على النفس..
انتهت تلك السهرة، زادت غيرتي من لهيب شوقي لأحضانه، أكملنا العشاء والسمر، كانت الساعة قد قاربت التاسعة ليلا، بيتي بعيد ومعي شابة جاءت من البيضاء لتقديم خدمات تطوعية بإحدى المدارس بالبلدة، كانت ضيفتي..
دعانا الصحراوي لبيته، لقضاء الليلة، أو بالأحرى أراد أن يطفيء عطشه وعطشي الممتد تحت قنوات الشوق والرغبة منذ زيارته لي قبل أسابيع في حفلة غداء أعددتها على شرفه وشرف أصدقاءنا وزملاءنا..غير أني فضلت تأجيل الرغبة والاكتفاء بصب نار الاشتياق عليها لتشتعل وتحمى أكثر وأعرفه أحسن..
ونحن نصعد الدرج نحو شقته، تهاوت الشابة في حالة إغماء، تلقفها بسرعة خاطفة بذراعيه القويين، ورغم سمنتها ووزنها الزائد، حملها كما يحمل منقذ جريحا في الحرب، صعد بها الدرج بين يديه مدني بالمفاتيح، فتحت الشقة دخل ووضعها على أحد أفرشة " الصالون"..
اتصل بأحد الممرضين المتقاعدين من معارفه بالبلدة، حضر حالًا، حقن الشابة بمصل مهديء ولم يعرف ماتعاني منه..سيتضح لنا فيما بعد، أنها كانت حركة سينمائية فاشلة للإيقاع بقلب الصحراوي أو وتده..
نامت أو تناومت الشابة، أعطيناها الماء وبعض العصير، تأكدنا بعد ذهاب الممرض أنها استسلمت للنوم، أطفأنا الضوء بغرفتها وأشعلنا جميع مصابيح رغبتنا المؤجلة..
لم ننم تقريبا تلك الليلة..بين افتراس لبعضنا البعض وبين تأكد من حالة صديقتنا ..
كنا كذئبين جائعين، وجسدانا هنا الفريسة، كنت أضاجعه وكأني لم ألمس رجلا من قبله وكان يأكلني، ينهشني، يفترسني، يلتهمني وكأنه لم يذق طعم جسد أنثوي منذ آلاف السنين..
تحية ملئها العشق والجنون... مقال رائع جدا
ردحذفسرد رائع
ردحذف