منذ قراري، وأنا بعمر التاسعة عشر، التحرر من الدين ونزع الحجاب والخروج من الخرافة، لم أسعَ، أبدًا، لتغيير مابرؤوس أفراد عائلتي، خصوصا والدتي وأخواتي.
عندما كنت محشورة في الحجاب والجلباب الإسلامي، لم أفرض على أختي الوسطى أو الصغرى أن تصيرا مثلي.
كنت أستمتع باختلافنا، بل هو الاختلاف نفسه الذي كان يضخ نسمة أكسجين في حياتي المخنوقة، أختي الوسطى، بدأت مراهقتها بحب اللباس وتصفيف الشعر ووضع المساحيق، كانت عاشقة لموسيقى عبد الحليم ووردة وفيروز وكل الريبيرطوار الفرنسي، قارئة نهمة للأدب الفرنسي.
شاركتها كل هذا، كنت أرى فيه مرفئي الذي ألوذ إليه من عنف أخي وبطش الأخوات المسلمات ورقابتهن على كل شيء في جسدي وعقلي وتفكيري وقراءاتي.
مع أختي، اقتسمنا قراءة الروض العطر وروايات عبير وروايات موباسان والماركيز دوسال، وغيرها من الروايات الرومانسية أو الغارقة في الحكي الجنساني.
معاً، قرأنا مجلات باري ماتش و Nous deux الفرنسية، معاً ذهبنا لسينما مارينيون والفن السابع، ومعاً ارتدينا ملابس السباحة من قطعتين، حملنا أختنا الصغرى، ذهبنا ثم عدنا نحو شاطيء كازينو عبر الأوطوسطوب، أول مرة، وكانت هي الزعيمة والقائدة الجميلة المشجعة التي لاتخاف ولاتهاب ضربات أخينا ولا قرصات أمنا ولا نعت أبينا لها ب " القحبة" الصغيرة ..
كان أختي، قبل أن تسرقها مني جماعة الظلام والعنف والبؤس، في سنتها الجامعية الثالثة ، هي جان داركي، هي نوال السعداوي، هي أغنية الحرية في فمي..
إلى أن جاء اليوم الذي، رفعت يدها وسكينها في وجهي وعلى عنقي، وكعب حذائها فوق رأسي، حاولت قتلي والجهاد في، مقتنعة أنها وحدها تملك الحقيقة وأنه علي أن أصير مثلها وأومن بما تؤمن به مثلها بل حتى عبد السلام ياسين كانت ترغد وتزبد عندما أذكر اسمه حافيا بدل قول "الشريف"..
استطاعت أختي الوسطى أن ترغم الصغرى على التحجب وعلى الانخراط في الجماعة والاشتغال معها بفرق الأناشيد الإسلامية التي تنشط " ولائم" الإخوة والأخوات في جماعة العدل والإحسان..
ماحدث، أن أختنا الصغرى، تحولت مع الأيام، وفي غياب لثقافة سياسية وتكوين حقوقي وفكري عميق، لكائن هجين بيني وبين أختنا الوسطى: ترتدي الحجاب لكنها تضع المساحيق. تشتغل نهارا بحجابها وتتحول ليلا لمومس تصاحب الرجال وتشرب الخمر وتقبض ثمنا من مضاجعتها لهم ..
تاريخ ثلاث أخوات، هو بالنسبة لي، تاريخ ثلاثة أجيال من نساء المغرب : جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات..ثلاث أجيال عرف النظام المغربي كيف يسلط عليها أدوات تخريب ناسفة لكل قدرة على إعمال العقل والتفكير في السياسة..مانفع جيلًا، مثلي، ليخرج ولو قليلا من قمقم الرجعية، كان هو التكوين السياسي والحقوقي في صفوف اليسار وقبله التعليم ولاشيء غير التعليم على أيادي أسرة تعليم متنورة وأنيقة ومتحررة.
إرسال تعليق