لاجئة

لعنة الإسم العائلي الذي لم يختره والدي وأنا رفضته


لايختار أحد منا اسمه، ووالدي لم يختر أيضا اسم عائلة( بوشكيوة) الذي أسقطته من هويتي للأبد، هذه العائلة الفتية التي بدأ في إنتاجها منذ 1962، تاريخ ميلاد أول مولود له.
تحكي الحكاية، أن والدي الذي كان يحمل اسما هو أحمد بالفاطمي، كان رجلا عصبيا ، عزيز النفس لايرضى بالحكرة ولا المذلة.
تضيف الحكاية، أنه كان يلقب من طرف أصدقائه وبعض الجيران في حومتنا السابقة، بيعقوب المنصور ب " لمديني " نظرا لشياكته وأناقته وجسمه الرياضي المنحوث رغم قصر قامته، فقد كان، بحكم استخدام عضلاته في مهنة إصلاح السيارات قوي البنية، سميك العضلات، إضافة لممارسته للرياضة كالجري وكرة القدم كل أحد.
إضافة لكونه قليل الأكل، غير شرع، يحب اللحوم والسلطات والفواكه الجافة، ورغم كونه مدخنا وشروبا، لم ينل ذلك من بنيته المتراصة والصلبة.
إلى جانب ذلك، كان والدي من مغاربة الثلاثينيات، رجلا ولج طفلًا مدارس الفرنسيين من خلال خيرية العكاري، تأثر بالمعلمين والمعلمات، ثم خالط الإسبان بحي المحيط حيث بدأ عمله كصبي ميكانيكي عند أحد الإسبان الذي عاد لبلاده بعد تنحي فرانكو وعودة الملكية تحت ضغط الثوار.
والدي كان أنيقًا جدا بعد الخروج من العمل وآيام السبت والآحاد، وأنا متيقنة أن لدور السينما يد في ذلك.
لم أره يعود للبيت، إلا نادرا، ببذلته الزرقاء أم قطعة واحدة، كان حريصا على أخذ دش خفيف بورشته، تغيير ثيابه وارتداء بذل كلاسيكية أنيقة كتلك التي نشاهدها في الأفلام الكلاسيكية بالابيض والأسود على أجساد نجوم الشاشة الأمريكية والفرنسية والإيطالية.
حمل والدي أوراقه وذهب لمكتب الحالة المدنية بالمقاطعة الثالثة التابع لها دوار الكرعة، رفض الموظف تسجيل الدفتر باسم صاحبه "أحمد لمديني" ثم رفض أيضا، تسجيله باسم " أحمد بالفاطمي"، اعتبر الأمر إهانة مستقصدة ضده، رفض إعطاء رشوة، ركبه الغضب والحنق فما كان منه سوى أن يمسك بخناق الموظف البئيس، حاول الحاضرون التدخل وفك رقبته من بين يديه القويتين، ليرمي بعد ذلك بأوراقه في وجه الموظف..
عندما عاد بعد مدة، مرفوقا بجدتي، وجد أن الموظف قد أنجز دفتر الحالة المدنية وسجل المولود الجديد، لكنه عوض أن يضع اسم أبي أو لقبه، وضع لقبه هو الذي يحيل على إحدى فخذات قبائل كيش الاوداية : بوشكيوة.
ومن تم، أصبح اسمنا بوشكيوة، بينما والدي اسمه أحمد بالفاطمي بوشكيوة، ومن شدة غيظه، عند بداية العمل بالبطاقة الوطنية عمل على أن يكتب اسمه هكذا : بوشكيو Bouchkiou بدون التاء المربوطة ودون حرف ال A إمعانا في تكسير هذا الاسم الذي كرهه وحمل لعنته..
لكن الأيام، ستجري بما تشتهيه سفن أمي، وسوف تستغله لتستفيد من بقع أرضية بتجارة، خصوصا على عهد العامل النصاب المدعو الجابري وسماسرته، بل إنها سوف تأتي، بقوة الرشوة وشراء ذمم المقدمين والشيوخ وسماسرة الوعاء العقاري بتمارة، بشهادة تثبت بأن عائلتنا تنتمي لقبائل الأوداية، وتحصل بموجب ذلك على عددٍ من الاستفادات والمصالح بسبب وجود قواد مرتشين على رأس مقاطعات تلك المدينة المنهوبة.
أمي رحمانية الأصول ازدادت بدوار ولاد عامر التابع لاثنين لمحرة، وهي ابنة خال والدي، الذي هاجرت به والدته وهو في رحمها، من نفس الدوار والجماعة والقبيلة بل والبيت الممتد الكبير، بسبب الوباء والمجاعة سنة 1939، قاصدة هوامش الرباط، حيث سكن جميع أفراد قبيلة الرحامنة النازحين واللاجئين بخيام وبراريك وأكواخ أنقذتهم منها النيران والمصائب ثم برنامج PAM لإعادة إسكان قاطني هوامش الرباط بداية الستينيات من القرن الماضي..
اسم بوشكيوة الجريح، سقط الآن مني، كما يسقط حبل الصرة المتيبس من بطن رضيع..قطعته بيدي بكل شجاعة وبعد طول معاناة من أجل عيون الحرية.




إرسال تعليق

إرسال تعليق