30 أكتوبر 2019 : نزلت بمطار ترودو، بحقيبة حمراء صغيرة مليئة بكل أوراق حياتي السابقة، أخذت سيلفي ثم بعثت بالصورة لابنتي التي لم تصدق أن أمها التي كانت معها يوم السبت السابق بالبيت تعانق حفيدتها وتلاعبها قد حلت يوم الاثنين بكندا.
أخفت دهشتها وعبرت عن فرحها بسفري خصوصا وأني كنت في فترة انقطاع عن العمل بسبب رخصة طبية منحها لي طبيبي المعالج، إثر تداعيات ملف زاكورة وحرماني من أجرتي سنة كاملة بسبب عمل إنساني لصالح تلميذ.
ظنت ابنتي أني ذهبت للسياحة وسوف أعود، فقد ألفت أمّا رحالة مسافرة بين جبال وصحاري وسهول ومدن وهوامش المغرب، وبعض دول الخارج كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا والفلبين والإمارات وتونس ولبنان.
أخبرتها أنها رحلة ذهاب دون إياب، إنها رحلة طلب لجوء بكندا، البلد الذي لايظلم عنده الإنسان والمرأة بالذات، قلت لها بأني قد أنهيت الجزء الأول من إجراء اللجوء عند مصلحة ASFC هنا بالمطار، وأني قد حجزت شقة صغيرة بمدينة الكبيك على موقع ال RBNB، أنتظر فقط قدوم صديقتي لطيفة للسلام، بعدها أستقل الحافلة التي تحملني إلى هناك..
بدا علامات الحزن على وجه ابنتي، عيناها الواسعتان ضاقتا واغرورقت بالدموع، أدركت أن عمق جراحي سحيق وأن المغرب الذي كانت روحي معلقة بحباله قد سقط منها نحو الهاوية..
حاولت البحث عن كلمات مناسبة وهي تراني أبتسم على الشاشة، كانت تحمل صغيرتها وهي نائمة بين ذراعيها، حفيدتي التي ودعتها وهي ابنة السنتين صارت تقارب الآن، الست سنوات..
كنت أحس بأوصالي تتمزق وأحشائي تتلوى وقلبي يكاد ينشق نصفين كقطعة حديد حمراء ينزل عليها حداد بسندانه فيقسمها..
لم يكن أمامي سوى الهروب من الذين أحبهم قبل الذين يكرهونني، تحولت حياتي لمسلسل عذاب متواصل كسلسلة رعب أحداثها يصنعها الواقع لاكاتب السيناريو، أمي وابنتي، المرأتان الأكثر قربا مني، لم تستطيعا منع الكراهية والعنف عني، لم تمنع أمي ابنتها وصهرها من وضع السكين على عنقي، ولم تقف ابنتي في صفي للدفاع عني وحمايتي من الذين حاولوا قتلي ماديا كأسراب أو رمزيا كالوزارة التي كنت اشتغل بها مدرّسة، لم يستطع أحد إقناع من يكرهني من إسلاميين ظلاميين، كانوا من عائلتي أو من دائرة عملي، بأني مجرد كاتبة بوهيمية، كتاباتي لاتشبهني، بقدر ماهي قوية وحادة في نقد الواقع شديدة على الظلاميين الرجعيين، بقدر ماهي امرأة هشّة العواطف والأحاسيس، يغلبها منظر طفل معطوب الرجل أرملة تضيع بأيتام أو قرية يصرخ سكانها عطشا ..
حقيبتي الحمراء الصغيرة، رافقتني ولاتزال، في رحلة النزوح من وطن أعطيته بلا حساب دون انتظار المقابل، وطن بادلني الحب كراهية والعطاء عنفا ..
نص عظيم مليء بكل تجاذبات و صراعات الحياة
ردحذفواصلي و أطلقي عنان للكتابة