لاجئة

التعرّي غضبا في الثقافة الشعبية المغربية

 التعري غضبا او إنزال السروال أمام الملأ في الثقافة الشعبية المغربية

عشت في طفولتي مشاهد كثيرة لكبار السن وهو يعرّون مؤخراتهم مع الانحناء في وجه أعدائهم أو جيرانهم أو حتى أقاربهم اللدودين بسبب خصومات تطول أو تقصر مدعاتها الصراعات حول أمور قد تبدو تافهة وأخرى أقل تفاهة.


لايختلف الأمر بين النساء والرجال..<النساء تعرّين المؤخرة مع "تكواز " ( الانحناء خلفا مع مواجهة وجه الخصم بالمؤخرة العارية) بينما الذكور ينزلون سراويلهم في لحظة غضب لإشهار قضبانهم في وجه الخصم أو الخصوم لو كانوا جماعة.

رأيت ذلك تكرارا داخل حومتي، لشدة ماكانت النزاعات تنشب بين الجارا، قد تندلع بسبب مشاجرات الأطفال أو تحرش زوج الواحدة بالأخرى أو ترامٍ أحدٍ على شبر من مدخل بيت  الآخر، رغم أن البيوت لاتتوفر على حدائق  أو مسطبات جميلة، بل هي بيوت أسمنتية، صماء رمادية ضيقة وبشعة الواجهة.

جدتي، كانت واحدة من النساء سريعات الغضب والانفعال والانفجار في وجه الجيران بهذا التعبير الكوريغرافي الصادم لعيني ووعي الطفلة التي كنتها..

جدتي لم يكن يشفي غليلها ويبرد غلها ويسكت مدفع شتائمها للخصوم، إلّا تلك الحركة العجيبة التي ترافقها عبارتها الختامية :

- إيوا هاكو ماتسواو!!( خذوا ماتستحقونه)!!

أدركت مبكرا، أن الأشخاص الذي يشبهون جدّتي، هم أشخاص لايخافون بل يخوّفون، لايهتمون لقيل وقال الجيران، مستعدون للعنف متربصون به وكأنهم في حالة حرب دائمة، لايهم إن كانوا على حق أو ظالمين، هؤلاءهم الذين يتعرون على الملأ، شاهرين أعضاءهم في وجه من يواجهونهم، ليسقطوا مواجهتهم وأسلحتهم، إذ أن التعري وسط الساحة العمومية، هو أخطر من العنف نفسه..

شاهدت، أيضا، رجالًا بأعمار الكهولة، أنيقون أو رّثوا الثياب، متمدرسون وأميون، باعة وسائقو عربات وتجار وموظفون محترمون، أنزلوا سراويلهم غضبا أمام الجموع بمن فيهم الأطفال..

حتى ببعض القرى التي زرتها، لاحظت ذلك، خاصة في المناطق السهلية خلافا للمناطق الجبلية والصحراوية..حضرت المنظر الغرائبي المثير بنواحي دكالة والرحامنة والشاوية وعبدة، في شجارات بالأسواق الأسبوعية، خاصة.

ظلّ رأسي الصغير المفجوع من ضخامة هذا  الانفلات من حكم المجتمع على أشخاص يستعملون اعضاءهم التناسلية والجنسية للانتفاض أو الغضب أو الإفحام، يتساءل  باستغراب متعب وحيرة موجعة:

- لم لايستعمل الأشخاص المستضعفون نفس الوسيلة لإشهار حنقهم وتظلمّهم؟

لماذا لم تقم أمي بنفس الفعل كما جدتي، وهي الضحية الدائمة لعنف أبي وجدتي معاً، إضافة لعنف الزمن؟؟

لماذا لاتستخدم جارتنا السوسية، "فاظمة زوجة العربي البقال" والريفية " حدوهم زوجة بوشتى  النجار" أو حتى " ربيعة الهجالة المهاجرة من زاكورة" نفس السلاح ضد كل هؤلاء واللواتي يعتدون عليهن من جيران وجارات ومخزن في شخص المقدم والقائد؟

لمَ لاينزل أزواجهن سراويلهم في وجه القهر أو من أجل قهر الآخرين وإحراجهم؟؟

ظل الأمر لغزًا محيرًا بالنسبة لي. وعندما اكتشفت الرواية والسينما والفن التشكيلي والمسرح، كنت أعشق هؤلاء الأبطال والبطلات الذين يسخرون بشاعة أو جمال أجسادهم للانتقام من الذين قسوا عليهم ومن الحياة عمومًا..



إرسال تعليق

إرسال تعليق