لاجئة

زاينة : امرأة تركب المعاناة وتعاند الرغبة في الانهزام


بعد طلاقها الثاني، قررت "زاينة" أن تجرب الشرب، حاولت ذلك مع بعض الصديقات، فلم تعرف، الحقيقة، أن صديقاتها كن ينفرن منها بسبب حالة الاكتئاب الشديدة التي ألمت بها بعد الطلاق من الرجل الوحيد الذي أحبته بجنون وعنفوان. لم تكن تريد تجريب الخمر لتنسى أو تغرق أحزانها، وإنما لشيء أقوى. فزاينة لم تقدر بعد طلاقها الثاني، أن تقبل رجلا أوتعانقه أو تحضنه أو تفتح له ساقيها، بل لم تعد ترغب في الرجال والجنس والملذات الحسية جميعها، أصبحت كما تصبح كل أنثى ضرب الحزن خيمة وجودها، مقتلعا أوتاد الثقة، ممزقا ثوب الأمان ومطيحا بركائز الاستقرار. لم تنفع معها ساعات العلاج النفسي الطويلة ولاالعقاقير المضادة للاكتئاب، بل لم يزدها ذلك سوى سوداوية وتفكيرا في الانتحار، وكانت كلما فكرت في ابنها الوحيد طردت الفكرة، بسرعة من رأسها.. 

إلى أن جاء ذاك اليوم، حينما اتصلت بها صديقة الدراسة" جميلة"، دعتها لشرب قهوة بحي أكدال، رفقة أستاذها المشرف على أطروحتها حول الأدب العربي، لبت زاينة الدعوة، لأنها تعرف أنها ستضحك بعض الشيء رفقة صديقتها  المنشرحة اللعوب، فهي تشبهها في كل شيء، موظفة مطلقة وأم لبنتين، متحررة بعض الشيء، تستحق اسمها مع حس زائد من الأناقةو بدويتها اللذيذة التي لم تغادرها.

التحقت زاينة بصديقتها وأستاذها عند أحد المقاهي المطلة على شارع فرنسا. قدمت زاينة بلباس بسيط مكون من سترة قطنية بيضاء وسروال جينز، حذاؤها الجلدي بدون كعب ولاتضع أي طلاء على الأظافر أو أحمر على الشفاه، تبدو بالقصة الذكرية لشعرها الكستنائي ووجهها الجميل الحزين، وكأنها بطلة خارجة من أحد أفلام هوليوود لسنوات الخمسينيات. 

تبادلت مع جميلة عناقا وقبلتين على الخد، ثم مدت يدها للأستاذ، فقالت جميلة : 

- كمال، أقدم لك صديقتي زاينة.

- أهلا زاينة، اسم جميل وأصيل، تشرفت

أثار رفع الألقاب بين جميلة وأستاذها استغرابها، ثم حاولت تجاوز الأمر، جاء الناذل، فطلبت حليبا بالشوكولاتة وكذلك فعلت جميلة، بينما طلب الأستاذ قهوة سوداء، أشعل سيجارة، وهو ينظر نحو زاينة، من أسفل إلى أعلى بدون تحفظ، وكأنه يتفرس لوحة مثيرة وغامضة، وجهها الجميل الذي يغشاه الحزن، حرك فضوله كشاعر، في حين كان لقوامها الرشيق، أثر السيف على تركيزه.

لم تهتم زاينة لنظراته النهمة المفترسة لجسدها، فقد تعودت على ذلك.

دار الحديث حول الأدب والشعر وجديد الساحة الإبداعية، فكمال يملك، إضافة لمنصبه، دار نشر وتوزيع، قريبة من المقهى حيث يجلسون، لذلك اقترح على جميلة، خاصة عندما عرف أن زاينة قد قرأت أحد دواوينه السابقة، بأن تزورا دار نشره والاستمتاع بلوحاته الفنية، التي يبدعها، أيضا،  ويعلقها على جدران الدار، مفضلا عدم بيعها... 

بدا على وجه جميلة بعض الانزعاج، هل هي غيرة أم احتراز؟ لم تتبين زاينة ذلك، ومع ذلك قبلت، بدون حماس ظاهر، دعوته لزيارة دار نشره.  

وجدت زاينة الدار، على قدر من البساطة، لايوازي حماسه وهو يتكلم عنها، فالعناوين معدودة،  لم تشد نظرها، وأما تلك اللوحات المعلقة على الجدران فقد كانت سطحية ككلامه عن الفن التشكيلي.. 

كانت الساعة قد قاربت السادسة،  انصرف العاملون بالدار، وتبعهم الحارس الذي استوقفه مال، ثم مال نحو جميلة مقترحا عليها إحضار  قنينات نبيذ أحمر وعشاء جاهز من المطعم المجاور، فهو يدعوها وصديقتها لإكمال التعارف و سهرة المساء ...

تفاجأت زاينة، بسرعة هذا الرجل، لكنها اعتذرت، فهي لاتحب أن يعود ابنها المراهق من المدرسة والرياضة ولايجدها بالبيت، ثم إنها لاتشرب، ولاتعرف هذا الشخص الغريب لتشرب معه، رغم قراءتها لديوانه " عطش يسقيه النبيذ"...

إرسال تعليق

1 تعليقات